بناءً على مقالاتي السابقة حول طلب السويد العضوية الدائمة في مجلس الأمن، هو أراه مشروعا وطنيا استراتيجيًا لا بديل عنه، يصب في مصلحة السويد العليا، أعتبره استثمارًا سياسيًا وديمقراطيًا ذا قيمة كبيرة، سواء على المدى القصير أو الطويل.
في ظل السياسات العالمية المتحولة، من مصلحة السويد ان تتغلغل في هياكل النفوذ وصنع القرار في جميع التحالفات والمؤسسات الدولية. لأن هذا الحضور سيمنح السويد تأثيرًا أكبر بكثير من البقاء على الهامش أو الجلوس في دكة الاحتياط. في هذا السياق، يمكن للسويد، بفضل موقعها الاستراتيجي وآلياتها الفعالة، أن تؤثر بشكل مباشر على الأمم المتحدة، وهو أمر قد يصعب تحقيقه عبر جيوش من المنظمات والمجتمع الدولي. كون تلك الأطراف غالبًا ما تكون خارج دوائر التأثير الفاعلة بعيدًا عن مركز القرار.
من هذا المنطلق، ينبغي نعمل على تعزيز مجلس الأمن ومنظومة الأمم المتحدة بشكل عام، بهدف جعلها أكثر قوة وديمقراطية، ولحماية الديمقراطية، واحترام القانون الدولي، والقانون الدولي لحقوق الإنسان، والالتزام بمبادئه.
لقد إتسمت جهود توسيع عضوية مجلس الأمن الدائمة تاريخيًا بحالة مد واجزر عبر فترات مختلفة. وفي كل فترة، تظهر ترتيبات جديدة بناءً على الوضع السياسي القائم. ورغم التباين بين مواقف الدول الخمس الدائمة العضوية، فإن أغلبها يدعم فكرة الإصلاحات التي تشمل توسيع صلاحيات المجلس وزيادة عدد أعضائه.
صحيح أن عملية التغيير قد تكون بطيئة، لكنها تظل أفضل من حالة الجمود أو “الوضع الستاتيكي”. الزيادة السابقة في عدد الأعضاء الدائمين كانت خطوة إيجابية في الاتجاه الصحيح نحو التغيير. من المتوقع أن تعكس الإصلاحات المستقبلية الاعتبارات الجيوسياسية والجيوستراتيجية بناءً على التوازن القاري، مما سيعزز نفوذ بعض الدول الكبرى مثل الولايات المتحدة. هذا قد يُستخدم لإحراج الإجماع التقليدي وخلق أغلبية جديدة ” توازن جديد “داخل مجلس الأمن، ما يعزز تأثير السويد ودورها في المؤسسات الدولية.
ميثاق الأمم المتحدة ليس نصا مقدس
في هذا الإطار، لا بد من كسر الجمود الفكري والبنيوي حول الوثائق التأسيسية، فميثاق الأمم المتحدة ليس نصا مقدسا من الكتب السماوية لا يخضع للتمحيص، بل هو وثيقة قابلة للمراجعة والتطوير والتعديل كلما اقتضت الحاجة، فقد تبين ان هناك العديد من الدول الأعضاء في مجلس الأمن لم تلتزم في كثير من الأحيان بمواده المتعلقة بالأمن والسلام والقانون الدولي. فلا توجد مبادرة خالية من التحديات، والدليل على ذلك هو المراحل المعقدة التي مر بها طلب انضمام السويد إلى حلف الناتو، حيث واجه الكثير من التعقيدات والصعوبات.
علما انه تم تعديل ميثاق الأمم المتحدة خمس مرات في الماضي، وهو ما يثبت أن التعديل ممكن، وأرى أن زيادة عدد الأعضاء الدائمين في مجلس الأمن تدريجيًا وعلى مراحل، كجزء من استراتيجية تتيح لجميع الدول فرصة التمثيل فيه مستقبلًا، بل يمثل البديل الحقيقي والأكثر واقعية مقارنة بفكرة البرلمان الاممي والجمعية البرلمانية…
كما أن هناك سوابق تاريخية تثبت أن تركيبة المجلس قابلة للتغيير، هناك دولًا لم تكن من الدول المؤسسة لمجلس الأمن وأصبحت أعضاء دائمين فيه، مثل روسيا التي حلت محل الاتحاد السوفييتي، وجمهورية الصين الشعبية التي حلت محل جمهورية الصين. وهذا يدل على أن تعديل تركيبة المجلس ليس مستحيلا، بل امر ممكن، خاصة في ظل التغيرات المستمرة في ميزان القوى العالمي. فمن الممكن أن تعوض الدول الأقوى دولة بأخرى أو تضيف دولًا جديدة إلى مجلس الأمن لتعزيز قوتها ونفوذها. لذلك، يمكن القول إن السويد مؤهلة لقيادة نموذج إصلاحي يوازن بين الطموح السياسي والمرونة القانونية، ويجعل من العضوية الدائمة وسيلة لإعادة توزيع النفوذ داخل النظام الأممي.
إنشاء مقرر خاص للشؤون الديمقراطية: بين الضبابية والفرص الضائعة
حتى لا أجد نفسي مقصرًا أمام الله والتاريخ في مواجهة تراجع الديمقراطية وفقدان جوهرها الحقيقي، ومثله رأي من لا يرى رأيك، أجد نفسي مضطرًا لتأييد نسبي لمقترح رئيس منظمة ديمقراطية بلا حدود في السويد، حول إنشاء مقرر خاص للشؤون الديمقراطية في الأمم المتحدة لحماية وتعزيز الديمقراطية في العالم، ربما أدعم مقترحه بحماس، لكن ليس بالعاطفة و الحماس تدار السياسة و تتحقق المعجزات بالأدعية وحدها، مع ذلك، يبدو المقترح ضبابيًا، بل مجرد صياغة رنانة تفتقر إلى استراتيجية متماسكة، تتجسد في خطة عمل واضحة، او برنامج قابل للتنفيذ، يبدو أشبه بمحاولة البحث عن إبرة في كومة قش او من يركض خلف السراب، دون أمل ملموس في تحقيق تأثير فعلي. على الأرجح، سيواجه المقترح الرفض، خاصة أن المهام التي يُفترض أن يقوم بها تقع بالفعل ضمن اختصاصات كيانات أممية قائمة مثل اللجنة الثالثة للجمعية العامة للأمم المتحدة، المفوضية السامية لحقوق الإنسان، ومجلس حقوق الإنسان. أضف إلى ذلك العدد الهائل من المقررين الخاصين الذين تتزايد أعدادهم بلا جدوى واضحة.
تمتلك الأمم المتحدة بالفعل العديد من الأدوات والآليات التي تهدف إلى دعم الديمقراطية، مثل شعبة المساعدة الانتخابية التابعة لإدارة الشؤون السياسية وبناء السلام، وصندوق الأمم المتحدة للديمقراطية الذي يركز على تمويل المشاريع التي تعزز المشاركة السياسية وحقوق المرأة والشباب. بالإضافة إلى ذلك، تعمل العديد من المؤسسات الدولية بفعالية في مراقبة الديمقراطية وحقوق الإنسان، حيث تملأ تقاريرها أرشيفات الأمم المتحدة، ولكن دون تأثير ملموس على أرض الواقع.
وهنا، لا أتحدث عن المنظمات والجمعيات الهلامية او الوهمية التي تتسول باسم الديمقراطية لتحقيق مصالح شخصية ضيقة او تعمل كواجهات خفية لأجندات أخرى. مع العلم أن الديمقراطية تستند أساسًا على حقوق الإنسان والقانون الدولي بشقيه، ما يجعل هذا المقترح غير واقعي لأنه يواجه خطر التصادم مع أدوار مفوضية الأمم المتحدة لحقوق الإنسان ومجلس حقوق الإنسان. لذلك، من المرجح أن يواجه المقترح رفضًا منذ البداية بسبب افتقاره إلى الجدوى والفعالية.
بدلًا من طرح مقترحات تفتقر إلى الوضوح، سيكون من الأجدى تعزيز الآليات الحالية داخل الأمم المتحدة وتطويرها لتصبح أكثر كفاءة. والابتعاد عن تشتيت الجهود وتعقيد الأهداف وتفريع الرأس إلى عدة رؤوس، وإضافة المزيد من الهياكل غير الضرورية التي قد تؤدي إلى نتائج عكسية. كما أن إنشاء آليات جديدة دون رؤية متماسكة قد يفتح الباب أمام تناقضات تُضعف الهدف الأساسي، تمامًا مثل من أراد أن يعالج عين اعور مصابة فانتهى المطاف بفقع العين السليمة التي تبصر.
قد يجد هذا المقترح بعض القبول إذا طُرح كمشروع تسويقية أو مشروع خارجي يهدف إلى تحسين صورة ناعمة الأمم المتحدة داعمة للديمقراطية دون أن يدمج ضمن هياكلها الرسمية. مثل هذا المشروع يمكن أن يُمول ويحظى برعاية الأمم المتحدة، مع إدراجه جزئيًا في تقارير العمل السنوية. أما إن كان الهدف إطلاق برنامج إصلاحي داخلي لتعزيز الديمقراطية في هياكل داخل هياكل الأمم المتحدة نفسها، فمن غير المرجح أن يُكتب له النجاح؛ إذ سيبدو كصراع غير متكافئ بين قوتين غير متكافئتين أشبه بمقارنة ملاكم من وزن الريشة بملاكم من الوزن الثقيل.
ومع ذلك، يمكن تحويل هذه المبادرة إلى مكسب أكبر وطنيا وفرصة استثمار لتعزيز الديمقراطية محليًا على مستوى السويد. بل يمكن أن تكون المبادرة منصة لتحسين الممارسات الديمقراطية داخليًا، مما سيعود بفوائد طويلة الأمد، يعزز صورة السويد كدولة رائدة في دعم القيم الديمقراطية عالميًا.
مبادرة المواطنين ” العالميين”: بين تحديات التأثير المحدود والمستقبل المجهول
أما بالنسبة لمبادرة المواطنين الأوروبيين ” العالميين”، فهي واحدة من بين أبرز الأفكار التي اطلعت عليها، وبدو خطوة واعدة، لكنها لا تزال تخضع لقيود كبيرة، تحد من فعاليتها وتأثيرها. ومن بين أبرز هذه القيود: شرط الحصول على مليون توقيع، وهو شرط يبدو تعجيزيًا في كثير من الأحيان. ربما يكون من المفيد مراجعة هذا الشرط، إما بتقليص عدد التوقيعات المطلوبة، أو اعتماد نسب محددة أكثر واقعية، مع وضع معايير واضحة تركز على المبادرات ذات الأولوية لتحقيق تأثير ملموس.
لكن، بالنظر إلى الطبيعة غير الملزمة قانونيًا لهذه المبادرة، فإنها حتى الآن لم تؤدِ إلى تغييرات ملموسة أو تأثير فعلي. ذلك لأنها في النهاية تعتمد على قرارات المفوضية الأوروبية، التي تحتفظ بسلطة تقديرية كاملة بشأن قبول المبادرات أو رفضها. وغالبًا ما تُظهر المفوضية تحفظًا تجاه أي مبادرة قد تمس القوانين أو التشريعات الراسخة، التي أصبحت أشبه بنصوص مقدسة رغم محدودية فعاليتها، خاصة مع تنامي اليمين المتطرف داخل البرلمان الأوروبي. منذ انطلاقها في عام 2012، ظلت هذه المبادرة في حركة دائمة، لكنها تحولت في معظم الأحيان إلى إجراء روتيني يستخدم لتحسين الصورة العامة للمؤسسة أو لتسويقها سياسيًا، دون نتائج تُذكر.
للأسف، أصبحت هذه المبادرة مؤخرًا أداة بيد بعض المنظمات المدنية، التي باتت اشبه” بدكاكين المجتمع المدني”، لا تتورع عن استغلال للربح غير المشروع و التسول والارتزاق السياسي، دون تحقيق أثر حقيقي. شاهدت بنفسي ممثلين عنها يزورون بروكسل وستراسبورغ في جولات أشبه بالسياحية منها بالنضالية، والنتيجة غالبًا: استنزاف موارد، وغياب تأثير، سوى الاستجمام وجني المال.
هل الأمم المتحدة تفتقر إلى نظام مماثل لهذه المبادرات أم أن الفكرة أصلاً غير واردة في إطارها المؤسسي؟، بما في ذلك ميثاقها الذي يُلزم الدول الأعضاء بالتزامات محددة لكن تطبيقها فضفاض. وربما طرحت فكرة “المواطنين العالميين” بصيغ متعددة، لكن السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح هنا: هل نحن بحاجة إلى استنساخ نماذج وتجارب أثبتت فشلها في فضاء جغرافي ضيق، على أمل أن تنجح في مؤسسة ضخمة تعمل على نطاق عالمي أوسع؟
عندما ننظر إلى الأمم المتحدة، يبرز السؤال التالي: هل تحتاج إلى آلية مشابهة لمبادرة المواطنين العالميين؟ أم أن الفكرة غائبة كليًا عن إطارها المؤسسي؟ الأمم المتحدة لديها بالفعل ميثاق يُلزم الدول الأعضاء بمبادئ والتزامات محددة، لكن تطبيق هذه المبادئ يظل فضفاضًا وغير محكم. ربما تم طرح مبادرة “المواطنين العالميين” بصيغ مختلفة في الماضي، لكن السؤال الأكثر إلحاحًا هو: هل نحن بحاجة إلى استنساخ نماذج أثبت فشلها ضمن فضاءات جغرافية محدودة، على أمل أن تنجح في مؤسسة دولية ضخمة تعمل على نطاق عالمي أوسع؟
الإشكال الحقيقي قد لا يكمن في طبيعة المبادرات ذاتها، بل في آليات التطبيق والتنفيذ وضمان فعاليتها. من يقرر جدواها؟ بدون فهم واقعي ووجود آليات واضحة وشفافة لضمان التنفيذ الفعلي، ستظل هذه المبادرات مجرد شعارات جوفاء أو أدوات لتجميل وتلميع الصورة.
ورغم كل التحديات الواقعية المطروحة، أؤيد وأدعم هذه المبادرة، ليس فقط لأنها تسهم في تعزيز الديمقراطية، ولكن لأنها تشجع على روح الابتكار والمبادرة، وهي عناصر أساسية في نظام ديمقراطي حي. فالمبادرات، إذا صُممت ونُفذت بشكل جيد، يمكن أن تكون المحرك الأساسي للتجديد والحداثة، وهي الطريق الأمثل لتجاوز الجمود السياسي، وتحقيق تغييرات حقيقية تلبي احتياجات الشعوب.
خاتمة:
إن الإصلاح الأممي لن يتحقق بالعواطف ولا بالشعارات وحدها، بل باستراتيجيات واقعية تقودها دول تملك المصداقية، والجرأة، والرؤية. السويد قادرة على أن تكون واحدة من هذه الدول، إذا ما تخلت عن الحذر المبالغ فيه، وتقدّمت بمبادرة سياسية واضحة تعيد التوازن للنظام الأممي وتضع الديمقراطية في صلبه.
خاصة في خضم التحديات السياسية التي تعصف بالعالم، وفي مواجهة تصاعد الشعبوية واليمين المتطرف، تبدو الحاجة ملحة لإعادة التفكير في أدوات إصلاح النظام الدولي. إن تجربة السويد في ترسيخ الديمقراطية داخليًا، تضعها في موقع فريد لتلعب دورًا رياديًا، شريطة أن تتحرك بخطة واضحة تتجاوز العبارات الفضفاضة والمقترحات الوردية.
الإصلاح الأممي لا يحتاج إلى المزيد من الكيانات، بل إلى تفعيل الموجود وتطويره. لا نحتاج إلى “مقرر خاص” جديد ينضم إلى طابور العاجزين، ولا إلى “مبادرات مواطنين” تختزل في صور من بروكسل، بل نحتاج إلى واقعية قانونية وجرأة سياسية، كالتي قد تمثلها السويد إذا قررت أن تُحوّل الديمقراطية من شعار أخلاقي إلى استراتيجية نفوذ.
بهذه الثنائية، بين الحلم والإمكان، بين الوطني والعالمي، بين النقد والبناء، يمكن أن تبدأ خطوات إصلاح فعلي، لا يدّعي الكمال، لكنه يسير على أرضية صلبة نحو غدٍ أممي أكثر عدالة وإنصافًا.
ثلاثية الديمقراطية بين الحلم والواقع: إصلاح الأمم المتحدة يبدأ من الداخل
التغيير والإصلاح الديمقراطي للأمم المتحدة لن يتحقق بإنشاء كيانات موازية، ولن يأتي أبداً من خارج المؤسسة. لذلك، ينبغي أن تكون جميع الجهود موجهة من داخل الأمم المتحدة وإليها. فقد أثبتت التجربة أن محاولات الإصلاح التي تمت منذ الخمسينيات إما توقفت أو جُمدت نتيجة البيروقراطية المعقدة والسياسات الواقعية التي تفرضها الدول الكبرى.
من المهم التنبيه إلى أن كل المحاولات التي سعت إلى التغيير و الإصلاح من خارج المنظومة الأممية باءت بالفشل، وهناك أمثلة بارزة على ذلك:
- رابطة مواطني العالم (1956) , رابطة الدستور والبرلمان العالمي (1957), حملة من أجل حكومة عالمية (1937),حملة تأسيس الجمعية البرلمانية للأمم المتحدة (1945), دستور العالم (1987), هيئة الخدمة العالمية (1953), الحركة الاتحادية العالمية (1947), الاتحاد البرلماني الدولي.
هذه التجارب تؤكد أن الإصلاح الحقيقي لا يمكن تحقيقه إلا من خلال فهم عميق لموازين القوى، والعمل من داخل هياكل الأمم المتحدة، مع محاولة السعي إلى التغلغل فيها بفعالية… هذه المبادرات، رغم طموحها، لم تنجح في إحداث تأثير حقيقي، لأنها افتقرت إلى آليات فاعلة للعمل من داخل المؤسسة الأممية. الإصلاح الحقيقي يتطلب فهمًا عميقًا لموازين القوى داخل الأمم المتحدة، والعمل على التغلغل في هياكلها بفعالية. هذا يعني اعتماد استراتيجيات تعزز الحضور والمشاركة في صنع القرار، والضغط من الداخل لتحقيق تغييرات تدريجية مدروسة.
الجمعية البرلمانية للأمم المتحدة: حلم قديم لا يزال عالقا
أما فيما يتعلق بمقترح الجمعية البرلمانية للأمم المتحدة، فهو ليس فكرة جديدة؛ فقد طُرح منذ عام 1945، وتبنته لاحقا العديد من الدول، الشبكات العالمية، ومنظمات المجتمع المدني في فترات زمنية مختلفة، إلى أن وصل إلى منظمة ديمقراطية بلا حدود سنة، 2007… رغم عامل الاستمرارية الذي يتميز به هذا المقترح، إلا أنه لم يُثمر حتى الآن عن أي خطوات ملموسة، وما زال خارج دائرة التفعيل والتأثير الحقيقي.
حتى في حال لو تم توفر ضمانات حقيقية لتأسيس هذه الجمعية البرلمانية، فإن تحقيق ذلك يتطلب فهماً عميقاً للأبعاد القانونية، وإذا توفرت رؤية واضحة، فإن التنفيذ قد يتم عبر معاهدة مستقلة، على غرار ما حدث عند إنشاء كيانات دولية مثل منظمة الصحة العالمية، منظمة العمل الدولية، أو المحكمة الجنائية الدولية.، إلا أن الهدف في هذه الحالة يختلف، لكن الهدف هنا أكثر تعقيدًا، لأنه لا يقتصر على تأسيس هيئة جديدة، بل يطمح إلى إصلاح الأمم المتحدة ذاتها وتغيير طبيعتها.
هذا النضال طويل ومضنٍ، وقد ينجح أو يفشل. وحتى لو نجح، فقد يتم اعتبار الجمعية كيانًا منفصلا او موازيًا للمنظمة الأم، ما قد يُضعف من أثرها المباشر على القرارات الأممية. ومن المحتمل أن تواجه الجمعية مقاومة شديدة من داخل الأمم المتحدة، خصوصًا من الجمعية العامة التي قد تراها تهديدًا لدورها، أو من القوى الكبرى التي ترفض تقاسم النفوذ. وقد يتكرر ما حدث في إصلاحات سابقة، حيث تم تجميد المقترحات أو استخدامها فقط لتحسين صورة الأمم المتحدة دون إجراء تغيير حقيقي في بنيتها أو آليات صنع القرار.
. بالتالي، يبقى هذا المقترح بحاجة إلى استراتيجيات أكثر واقعية وإجماع واسع النطاق لضمان تحوله إلى واقع قادر على إحداث التغيير الملموس.
الاتحاد البرلماني الدولي: بديل واقعي لدور رقابي أممي
أرى أن الاتحاد البرلماني الدولي يمثل بديلا اكثر واقعية من الجمعية البرلمانية، شريطة ان يمنح صلاحيات رقابية ضمن الأمم المتحدة، ويدمج في هياكلها الإدارية والتقنية والتنظيمية. نظرا لتاريخ هذا الاتحاد العريق، الذي يمتد منذ عام 1889، ما يمنحه ميزة تراكمية كبيرة. بالإضافة إلى ذلك، يتمتع الاتحاد البرلماني الدولي بإجماع واسع ويقترب من العضوية العالمية، حيث يضم 181 برلمانًا عضوًا من أصل 193 دولة في العالم، ممثلة فعليا لما يقارب من 8 مليارات نسمة.
وبالإمكان تطوير هذا الاتحاد ليكون برلمانا عالميا مؤثرًا داخل الأمم المتحدة، وربما يكون بديلًا عمليًا للجمعية البرلمانية خاصة في ظل غياب التوافق حول المقترح، الذي تواجه تحديات كبيرة، أبرزها عدم الإجماع العالمي، وكونها تتطلب سنوات من العمل الشاق لتحقيق القبول، علاوة على أن دورها سيظل استشاريًا ومحدودًا دون صلاحيات رقابية حقيقية. وفي المقابل، توجد بالفعل العديد من الفروع الاستشارية القائمة داخل الأمم المتحدة، التي تمتلك خبرة طويلة وتاريخًا أطول، لكنها تحتاج إلى تفعيل آلياتها بدلًا من إنشاء كيانات جديدة.
من المهم الإشارة إلى أن تنامي الأحزاب اليمينية المتطرفة ووصولها الى السلطة من بوابة العملية الديمقراطية نفسها يشكل تهديدًا وجوديا كبيرًا لقيم الديمقراطية نفسها. هذه الحكومات قد تُقوض إنجازات استغرق تحقيقها عقودًا من النضال. لمواجهة هذا التهديد، يجب وضع تصورات قانونية تهدف إلى تقييد نفوذ هذه الحكومات أو حتى منعها من الوصول إلى السلطة إذا أظهرت ميولًا يتعارض مع المبادئ الديمقراطية. كما ينبغي تطوير آليات لعزل الحكومات التي تعمل ضد قيم الديمقراطية بمجرد وصولها إلى السلطة.
ولهذا، فإن المثل “عصفور في اليد خير من عشرة في الغابة” ينطبق تماما هنا. أي التركيز على مصلحة السويد أولاً، وبناء قاعدة ديمقراطية شعبية صلبة داخليا، هو خطوة ضرورية. بعد ذلك، يمكن توجيه الجهود نحو دعم الديمقراطية على مستوى عالمي. والسبب هو أن المنظمات الحكومية وغير الحكومية غالبًا ما تكون تعمل بناء على جداول أعمال تمويل خاصة تخدم من يمولها أو تخضع لمصالح الدول الراعية لها.
بدلًا من السعي المباشر لتأسيس الجمعية البرلمانية الأممية بشكل مباشر، يمكن البدء بتنظيم مؤتمر تشاوري تأسيسي في السويد بالتعاون مع الجمعية السويدية للأمم المتحدة. هذا المؤتمر يمكن أن يكون بمثابة تجربة أولية تجمع ممثلين برلمانيين من مختلف الدول لدراسة، تطوير، وتعميق هذه الفكرة. على المدى الطويل، يمكن أن يصبح هذا المؤتمر نواة لتأسيس الجمعية بشكل ملموس وفعّال، بما يعزز التعاون الدولي في تعزيز الديمقراطية عالميًا ويعطي السويد دورًا رياديًا في هذا المجال.
توسيع صلاحيات المحاكم الدولية: ضمانات قانونية لحماية الديمقراطية
لذلك، أرى بيقين أن من أبرز الضمانات الفعّالة لحماية الديمقراطية وتعزيز العدالة على مستوى الأمم المتحدة، ومن خلالها إلى العالم أجمع، هو توسيع صلاحيات محكمة العدل الدولية والمحكمة الجنائية الدولية. وينبغي أن تُمنح هاتان المحكمتان سلطات أوسع، لا تقتصر على الدول فحسب، بل تمتد لتشمل الأمم المتحدة نفسها وسائر المنظمات والمؤسسات الدولية، بما يتيح لهما أداء دورٍ رقابيٍ حقيقي يضمن الالتزام بالمبادئ الديمقراطية والعدالة وسيادة القانون.
ينبغي أن تكون موادها وقواعدها القانونية ملزمة وآمرة لجميع الدول الأعضاء، مع تمكينها من اتخاذ إجراءات حاسمة ضد أي اتجاه يهدد المسار الديمقراطي أو يخل بالقيم الأساسية التي تمثلها العدالة الدولية. هذه الخطوة من شأنها ضمان أن تكون المحاكم الدولية حائط صد منيع لحماية الديمقراطية عالميًا وجعل الأمم المتحدة مؤسسة ديمقراطية.
وينطبق الأمر ذاته على مستوى الاتحاد الأوروبي، من الضروري الإسراع في تعزيز ميثاق الاتحاد الأوروبي وتحديث مواده القانونية بما يتلاءم مع التحديات الجديدة. يجب منح المحاكم الأوروبية صلاحيات مرنة تمكّنها من مراقبة الديمقراطية في الدول الأعضاء بشكل فعّال، مع التصدي لأي انتهاكات قد تقوض قيم الاتحاد. بالإضافة إلى ذلك، يجب سن قوانين وتشريعات قوية تضمن حماية الديمقراطية من أعدائها، خصوصًا في مواجهة تصاعد اليمين المتطرف، الذي يشكل تهديدًا جديًا لاستمرارية القيم الديمقراطية داخل الاتحاد. هذه التشريعات يجب أن تكون واضحة ومُلزمة، مع آليات تُنفذ بسرعة وحزم لضمان الالتزام بها.
طلب السويد لعضوية دائمة في مجلس الأمن: خطوة استراتيجية نحو توازن أممي
إن تقديم السويد طلبًا للحصول على العضوية الدائمة في مجلس الأمن يُعد خطوة رمزية قوية لن تكلفها الكثير من الجهد أو الموارد، لكنها قد تترك أثرًا سياسيًا عميقًا. هذه المبادرة ستُسجَّل كخطوة تاريخية تعزز مكانة السويد على الساحة الدولية، وتؤكد التزامها بالإصلاح الديمقراطي داخل منظومة الأمم المتحدة.
حتى في حال رفض الطلب، سيصب ذلك في مصلحة السويد، إذ سيظهرها كقوة فاعلة تسعى لتعزيز قيم الديمقراطية والسلام وحقوق الإنسان. كما أن التحديات التي قد تواجهها في هذا المسار ستُكسبها نقاطًا سياسية، خاصة أمام الدول الكبرى التي قد تعارض الخطوة، مما يتيح لها تعزيز موقعها للحصول على امتيازات واستحقاقات مستقبلية في مجالات أخرى.
في نجحت السويد في تحقيق هذه العضوية، فإنها ستتمتع بعدة امتيازات مهمة، من بينها: تعزيز مكانتها في الساحة الدولية، بما في ذلك التأثير السياسي في دوائر صنع القرار، وستكون في موقع أفضل للدفاع عن قيم الديمقراطية والسلام وحقوق الإنسان والقانون الدولي، إضافة إلى تحقيق اتزان في ميزان القوى العالمي وتعزيز دور دول الشمال والاتحاد الأوروبي داخل الأمم المتحدة.
بهذا النهج، يمكن للسويد تتبع استراتيجية مدروسة ونموذج متوازن يجمع بين الطموح والإمكانات الواقعية، مما يعزز صورتها كدولة رائدة تسعى إلى تحقيق إصلاح شامل داخل منظومة الأمم المتحدة، مع الحفاظ على مصالحها الوطنية والدولية.
خاتمة:
في نهاية المطاف، ورغم اختلاف أساليبنا وطرق تفكيرنا في النضال الديمقراطي وتباين وجهات نظرنا، يبقى الهدف الذي نسعى إليه واحدًا ومشتركًا. يمكن القول إن نضالي ونضال الآخر في سبيل الديمقراطية يشبهان وجهين لعملة واحدة، مثل الآذان او أجراس الكنائس التي تُقرع في أماكن متفرقة من العالم لكنها تحمل رسالة واحدة وهويّة موحّدة. ولكن إذا واصلنا تبادل النقد المتكرر ووقفنا عند حدود القول “هذا مستحيل”، دون التقدم إلى محاولة التغيير، فلن نحقق أي إنجاز يُذكر أو نحدث تحولًا جذريًا. لذلك، علينا أن نتكاتف وندعم بعضنا البعض في سبيل بناء ديمقراطية مستدامة ومحمية، سواء كانت عملية الإصلاح والتغيير بنيوية، أفقية، عمودية، حلزونية، فردية، أو جماعية.
إن إطلاق حملة لدعم حصول السويد على عضوية دائمة في مجلس الأمن هو واجب وطني أخلاقي يمثل فرصة استراتيجية، تستدعي تكاثف الجهود مع المجتمع المدني، وبلدان الشمال، والاتحاد الأوروبي، والدول الصديقة حول العالم. تتطلب هذه المبادرة تحركات دبلوماسية مبكرة مدروسة وعملًا جماعيًا يُستثمر فيه كل ما تملكه السويد من علاقات وروابط رسمية وحزبية، لتحقيق هذا الهدف الاستراتيجي الذي يخدم مصالحها الوطنية والدولية.
من المهم أن نستمر في طرح المزيد من المقترحات والأفكار المتنوعة ومن اتجاهات مختلفة. فكلما زاد تنوع الافكار، كلما ازدادت فرص النجاح. ما دام الهدف مشتركًا، فإن التغيير سيأتي حتمًا، سواء كان اليوم، غدًا، أو حتى بعد مئة عام، طالما أن هناك إرادة واستمرارية لتحقيق هذا التغيير.
واستنادًا إلى مبدأ أن “الاختلاف في الرأي لا يفسد للود قضية”، وكما قال فولتير: “قد أختلف معك في الرأي، ولكنني مستعد أن أدفع حياتي ثمنًا لحقك في التعبير عن رأيك“، أود أن أعرب عن شكري الجزيل وتقديري العميق لكل دعوة صادقة للتفكير والنقاش حول هذه القضية المحورية. هذا الحوار في حد ذاته يعكس أهمية القضية التي نتناولها، وحاجتها إلى التفكير الاستراتيجي والإثراء الفكري القائم على الحوار البنّاء والتحليل المدروس.
تبقى الآراء قابلة للنقاش والتطوير، والصواب والخطأ في كل مسيرة بحث عن الحقيقة. ولا يمكن التوصل إلى نتائج أو استراتيجيات واضحة إلا من خلال التفاعل بين الأفكار المختلفة، وتحليلها ومقارنتها بعمق وتقييمها، لفهم الإشكاليات المطروحة، للوصول إلى خلاصات دقيقة وآليات تنفيذية فعال. وفي النهاية، تبقى الغاية والهدف الأسمى هو إيجاد أفضل السبل لتحقيق مصالح السويد وتعزيز الديمقراطية على جميع المستويات العالمية.
احمد مولاي: كاتب وسياسي.
مقالات الرأي تعبر عن كتابها وليس عن SWED 24

