ما من سطّرٍ مررت به إلا وأعدت قراءته مراراً وليس بدون وجعٍ غالباً. ثَمَّةَ الكثير من الغصّات التي حالت دوني و دون تدقيق الوقائع تاريخيا لأنها بيساطة فجَّرت مكامن التعاطف الإنساني ( وليس القومي) أزاء اطراف النزاع حيث سعيتُ مخلصاً ان أزيح عواطفي الشخصية و إنتمائي العربي جانباً لأخلص إلى ان هذا النزاع لا يمكن ان يُصارُ إلى نزع فتيله و من ثمَّ حله عسكرياً. كلُّ ما يحتاجه اطراف النزاع هو مقدارٌ من الشجاعة للخروج من دائرة الخوف الموروث من الآخر والتحلي بالصدق في تحمُّلِ مسؤلية مصير الاجيال القادمة بعيداً عن دائرة العنف و العنف المضاد.
يُميطُ هذا الكتاب اللثام عن وقائع يحهلها الكثيرون ومن الطرفين عن قدرة و واقعية التحلّي بالشجاعة لقولِ لا لسرمدية العنف و العنف المتبادل بلا جدوى سوى حصد المزيد من الضحايا على مدى السنين و إهدار مليارات الموارد لكبحِ الرغبة العميقة للسلام.
لقد عزز الكاتب ما كنتُ على الدوام احلم به و ادعوا له من ضرورة تجنيب الاجيال الجديدة من طرفي النزاع ويلات لامبرر لها.
لديَّ الكثير مما يجعلني اجزم بمعرفتي الواسعة للشأن الفلسطيني ولقضايا الصراع في الشرق الأوسط وفِي المقدمة منها الصراع الذي كان يسمى حتى وقت قريب بالصراع العربي الاسرائيلي وبات يطلق عليه اليوم بالصراع الفلسطيني الاسرائيلي بسبب تخلي او ( إنشغال القوى والحكومات ) عن الشأن الفلسطيني لأسباب مختلفة لعل من ابرزها إنشغال الشارع العربي وخاصة بعد اندلاع تحركات الربيع العربي من جهة وما اثار مخاوف الانظمة من مغبة إنتشار الربيع الى بلدانها وتفكك قبضتها على شعوبها.
ما يهمني في هذه المراجعة للكتاب هو تسليط الضوء على عناصر في جدلية هذا الصراع لم تحظ بالاهتمام المطلوب لحد الان ولم يُسلّط عليها الضوء الكافي بالرغم من ان إرهاصاتها تمتد الى سبعينيات القرن الماضي.
لقد رسّخَ الكتابُ وبصدقٍ و شفافيةٍ غيرَ معهودة وقائع التهجير القسري للفلسطينين أبان النكبة عام ١٩٤٨ وإضطرار العوائل و الأطفال تحت وطأة القتل الممنهج للهروب إلى معسكرات الهجرة داخل فلسطين و خارجها في دول الجوار. وبقيت عالقةٌ في ذاكرة الكاتب كيف ان والدته رفضت و بقوة القبول بما عرضته قوات الاحتلال على الاسرة الانتقال للعيش في إحدى دور المهجّرين الفخمة لأن ذلك كان سيكون بمثابة جريمة لاتُغتفر قياساً بالقيم التي تربت الاسرة عليها.
هذه الوقائع و غيرها سبق لصديقي الصحفي و الكاتب الفلسطيني المعروف ( رشيد الحجة ) ان عرضها على مسامعي و مسامع مراسلي التلفزيون السويد اثناء مقابلة معه هنا في اوبسالا وكيف انه شاهد بعينه بيتهم في صفد ( خلال زيارة بجواز سفر سويدي)، بيتهم و قد سكنته عائلة يهودية من امريكا في الطابق العلوي و في الطابق السفلي بات صالة فنية.

من ابرز الاسماء التي انخرطت في حركة السلام على الجانب الاسرائيلي كان الجنرال ماتي بيليد مباشرة بعد حرب عام ١٩٦٧. هذَا الصهيوني العقائدي والضابط المحترف من مؤسسي دولة إسرائيل واحد ابرز رموزها العسكرية يبدأ بعد إستلامه مهمة إدارة أراضي الضفة الغربية وغزة التي أُلحقت بعد هزيمة الجيوش العربية، ألحقتها اسرائيل بالإدارة العسكرية لها وعيَّنت العقيد البارز ماتي بيليد حاكماً عسكرياً عاماً لها.
لقد وجد هذا القائد العسكري المحترف نفسه في مواجهة مهمة سحق إرادة الشعب الفلسطيني وتدجينه وهذه تتناقض تماما مع مُثُله التي نشأ عليها عائلياً بأن إقامة دولة قومية لليهود في الاراضي ( التاريخية) لليهود وليس طرد السكان الفلسطينيين من اراضيهم. بالنسبة لماتي بيليد كانت أراضي دولة اسرائليين التاريخية التي قاتل من اجل إرسائها هي أراضي عام ١٩٤٨.
ما بدأه مأتي بيليد من مناهضة الإحتلال سرعان ما إنظمَّ له كثيرون من الاسرائيلين و الفلسطينيين ليتحول مشروعهم الديمقراطي إلى حركة هادرة تشي بلا شك بأن الديمقراطية الحقيقية هي الحل لحقن الدماء من الطرفين.
مراجعة: عباس الجنابي – اوبسالا
ترجمة وتقديم: محمود محمد الحرثاني
الناشر: الدار العربية للعلوم
الطبعة الاولى: ٢٠١٤
يمكن إستعارة الكتاب من المكتبات العامة.
مقالات الرأي تعبر عن رأي كتابها وليس بالضرورة عن SWED 24

