رأي/ ماذا لو تنحّى جميع قادة العالم عن مناصبهم؟
ماذا لو قررت الشعوب أن تقول كفى، وأن تستعيد زمام أمرها ممن جعلوا العالم محرقة، والكرامة الإنسانية وقوداً في معركة لم يخترها أحد سوى أصحاب البدلات الداكنة وربطات العنق التي تخنق ما تبقى من ضمير؟
في زمن لم تعد فيه الحروب استثناء، بل خبراً يوميّاً عابراً، تقف البشرية على حافة هاوية حفرتها أيادي من يفترض أنهم “قادة”. قادة يتصارعون كما في مشهد هزلي، لكنّه مغموس بدماء الملايين. يتبادلون التهديدات والصواريخ، بينما الشعوب تحصي قتلاها، وتُلملم أشلاء أطفالها، وكأن الضحايا شخصيات كارتونية لا قيمة لها، تُحرق بعود ثقاب.
لقد تحوّل بعض من قادة العالم إلى مراهقين سياسيين ومرضى نفسيين مهووسين بالسلطة والقوة، يتنازعون على السلطة كما يتنازع أطفال على لعبة إلكترونية. يلوّحون بالقوة لا لإرساء العدالة، بل لترهيب الأضعف، أو لإرضاء شهوة السيطرة التي تنفلت كلما التقطت الكاميرات وجوههم المتعجرفة، ثم يتبجحون بعد ذلك، أنهم يفعلون ما يفعلون من موبقات العصر من أجل تخليص الشعوب من أنظمة خانقة. وهل من خلاص يأتي بالموت والتشريد والتجويع؟
الحديث عن مجازر الابادات الجماعية والمجاعات المنسية، وعن اللاجئين الذين يركضون نحو موت أبطأ وعن تشريد شعوب بالكامل من منازلها واحلامها ومستقبلها، لم يعد يتصدّر العناوين. كل ذلك صار يُمحى تلقائيّاً مع اندلاع حرب جديدة، بصوت أعلى ودماء أكثر. وكأننا نعيش في سباق جهنمي: من يشعل الفتنة الأكبر؟ من يقصف أكثر؟ من يخلق كارثة إنسانية أخرى ليخفي التي قبلها؟ الضحايا ليسوا سوى أرقام، يُفصح عنها على شكل قتلى ومصابين ومشردين، لا يعرفون أن يخبئون رؤوسهم من ضربة صاروخية قادمة
الحروب أصبحت مسرحاً والضحايا هم الجمهور، بينما يقف القادة في المنتصف، يصرخون ويرفعون قبضاتهم أمام كاميرات العالم. كلٌ يدّعي أنه الأحق، الأقوى، الأجدر بأن يُسمع له. وما هي إلّا ديوك تتباهى بريشها بينما البيوت تحترق والبطون الخاوية تصرخ في صمت.
الحرب لا تعترف بالجغرافيا ولا بالهويات. سواء اندلعت في الشرق أو الغرب، تبقى نتائجها واحدة: دمار شامل، وخراب يمتد إلى ما بعد الركام، وغريزة انتقام تتغذى على الألم.
أنتم، يا من تمسكون بخيوط القرار، تصنعون من الشعوب قنابل موقوتة، تنفجر في كل زمان ومكان. إذ كيف يُطالب إنسان بالعقل، وقد مزّق صاروخ عائلته إلى أشلاء بين جدران بيته؟ كيف يختار السلام، وهو لم يعرف سوى الجوع والخوف والشتات؟
والدول الصامتة؟ تلك التي تجلس على مقاعد المتفرجين، تشجب وتشجب وتدين وتستنكر، بالكلمات لا بالمواقف، ثم تلوذ بالصمت مجدداً، وكأن العالم لعبة، والسياسة عرض مؤقت لا تُهم نتائجه.
فكرة تبدو أكثر عدالة من كل ما يجري: لماذا لا يُترك القادة المتصارعون ليتناحروا في ساحة قتال مفتوحة؟ كما كان الرومان يفعلون في ساحات المجد المزيف، لكن هذه المرة لتكون التسلية للشعوب المقهورة، وليس للملوك والأباطرة كما كان في السابق، ليتقاتلوا بسكاكين صدئة في ساحة ترابية، بعيداً عن المدن المدمرة والأطفال المقتولين والدموع المكسورة، ليوفروا فسحة أمل للشعوب المبتلية بقادتها، وليروا بأعينهم ماذا يعني أن تكون وقوداً لحرب لم تخترها.
إن ما يحتاجه العالم اليوم ليس قادة جدد فحسب، بل نظام إنساني جديد، حيث لا يُسمح لأي مهووس بالسلطة أن يقود شعباً نحو الجحيم. شعوب الأرض تستحق أكثر من أن تكون مجرد قطع شطرنج في يد ساسة متعجرفون.
نحتاج قرارات تُبنى على الضمير، لا على المصالح.
نحتاج من يجعل الحرب آخر الحلول، لا أولها.
وإلّا، فسيأتي يومٌ تُهدد فيه الإنسانية ذاتها بالانقراض، لا بسبب الكوارث الطبيعية، بل بسبب من اعتقدوا أن المجد يُبنى على الخراب.
لينا سياوش
مقالات الرأي تعبر عن كتابها وليس بالضرورة عن SWED 24