رأي: في دولة مثل السويد، التي تُعد من أكثر الدول تقدمًا ورفاهًا في العالم، من المؤسف والمُخجل أن يُكافأ من أفنوا أعمارهم في خدمة المجتمع بسلع غذائية معظمها منتهية الصلاحية.كما هو الحال في بعض المتاجر. المتقاعدون في السويد هم الجيل الذي بنى هذا المجتمع، وشارك في تنمية اقتصاده، وضمان استقراره لعقود. فكيف يمكن قبول فكرة أن يجد هؤلاء أنفسهم مضطرين لشراء أو قبول مواد غذائية معظمها لم تعد صالحة للاستهلاك البشري؟
واقع مؤلم خلف الرفاه الظاهري
في السنوات الأخيرة ظهرت تقارير وإشارات واضحة إلى أن بعض المتاجر والمنظمات الخيرية تقوم بتوزيع أو بيع سلع غذائية منتهية الصلاحية بأسعار مخفضة لكبار السن وأصحاب الدخل المحدود، تحت شعار “مكافحة الهدر الغذائي”. قد تبدو الفكرة إنسانية للوهلة الأولى، لكن المشكلة تكمن في أن هذه السياسة تُطبَّق غالبًا دون مراعاة لكرامة المستفيدين ولا لصحتهم.
المتقاعد في السويد – أو في أي مكان في العالم – لا يحتاج إلى شفقة مبطنة، بل إلى احترام فعلي لكرامته، من خلال معاش تقاعدي يكفيه لحياة كريمة، وخدمات صحية وغذائية آمنة وذات جودة. لا ينبغي أن يتحول توفير الطعام إلى شكل من أشكال “الإحسان الإجباري”، بل يجب أن يُنظر إليه كحق أساسي.
الهدر الغذائي ليس مبررًا للامتهان نعم، من المهم محاربة الهدر الغذائي، ولكن ليس على حساب الفئات الضعيفة في المجتمع. لماذا لا يتم إعادة تدوير الأغذية الفائضة بطرق صحية وآمنة بدلًا من تمريرها إلى المتقاعدين كما لو أنهم أقل استحقاقًا؟ لماذا لا يُخصَّص دعم حقيقي يُمكّن كبار السن من شراء أغذية طازجة وصالحة مثلهم مثل باقي فئات المجتمع؟ المفارقة أن السويد دولة تقود العالم في الكثير من المبادرات الإنسانية والبيئية، ولكنها تغفل أحيانًا عن الفئات التي لا ترفع صوتها، والتي تقف في طوابير بصمت – مثل المتقاعدين.
صحة وكرامة قبل كل شيء
المتقاعدون ليسوا عبئًا، بل هم ركيزة تاريخية لهذا المجتمع. يجب أن يُكافَأوا برعاية لائقة، لا بسلع رخيصة انتهت صلاحيتها. الأمر لا يتعلق فقط بالصحة الجسدية، بل بالصحة النفسية أيضًا؛ فالشعور بأن المجتمع لم يعد يقدّرك أو يعترف بحقك في حياة كريمة هو أشد إيلامًا من الجوع نفسه. إن احترام كرامة الإنسان يجب أن يكون أولوية، لا شعارات تُرفع في المؤتمرات وتُنسى على أرض الواقع. وإن كان المجتمع السويدي فخورًا بتقدمه، فعليه أن يبدأ بمحاسبة نفسه عندما يعجز عن تقديم الغذاء الآمن لأحبائه الذين ساهموا في بنائه.
الفرق بين السويد و ألمانيا
يوجد في المانيا نظام يسمى “تافل” (Tafel) و هو شبكة من المنظمات الخيرية غير الربحية التي تهدف إلى تقليل هدر الطعام ومساعدة المتقاعدين و الأشخاص الذين يعانون من الفقر أو الدخل المحدود.يقوم التافل بجمع الأطعمة الصالحة للاستهلاك ولكن غير القابلة للبيع من المتاجر، المخابز، والمصانع الغذائية. قد تكون هذه المنتجات قريبة من تاريخ انتهاء الصلاحية أو بها عيوب في التعبئة والتغليف، ولكنها تظل صالحة للاستهلاك.كما انها تكفي لسد حاجة المحتاجين في كل المانيا رغم ان سكان المانيا يتجاوز المئة مليون نسمة مقارنة بعدد السكان في السويد الذي يصل إلى 10.57 مليون بحلول نهاية عام 2024.
الغريب في الأمر هو الأسعار الرمزية جداً للمتقاعدين في المانيا في تلك المتاجر ،حيث يدفع الشخص ( 2 ) يورو فقط يأخذ بها خضرا ات وفواكه و حلويات و خبز و حليب و اجبان و لحوم في كل تسوق لمرة واحدة أسبوعياً. كل ذلك مقابل اثنين يورو فقط. بينما تكون الاسعار في متاجر السويد الخيرية المماثلة غالية جداً. فعلى سبيل المثال فإن سعر كيس خبز السلايس المقطع و المنتهية صلاحيته هو 12 كرونة سويدية اي أكثر من يورو واحد، و حبة ليمون واحدة بسعر 4 كرونات ما يقارب نصف يورو..الخ .
بحسب آخر البيانات المتوفرة من مكتب الإحصاء السويدي (Statistiska centralbyrån)، يوجد في السويد نحو 2.5 مليون شخص يتلقون معاشات تقاعدية، بما في ذلك المتقاعدين من النظام التقاعدي الحكومي وكذلك المتقاعدين الذين يتلقون مستحقات من أنظمة التقاعد الخاصة أو المهنية. أمّا في ألمانيا، فيبلغ عدد المتقاعدين حوالي 21 مليون شخص( أكبر من عدد سكان السويد بمرتين) ، وفقًا لآخر الإحصائيات. هذه تشمل جميع المتقاعدين الذين يتلقون المعاشات من نظام التأمين الاجتماعي، وكذلك أولئك الذين يتلقون دعمًا تقاعديًا من خطط التقاعد الخاصة أو المهنية. يتوجب على السويد وفقاً لتلك البيانات أن تعيد النظر في استحقاقات حقوق المتقاعدين و منحهم مزايا تليق بهم و تليق بمكانة السويد كبلد رائد في مجال حقوق الانسان. و يأتي على رأس قائمة تلك الحقوق :
أولا: زيادة رواتب المتقاعدين بما يتناسب مع غلاء المعيشة و جنون ارتفاع أسعار السلع و المواد الغذائية و ايجارات الشقق السكنية و الخدمات.
ثانيا: منح المتقاعدين بطاقة مواصلات سنوية مجانية على الباصات و القطارات على كافة مدن السويد و ليس على المقاطعة المحلية عند عمر التقاعد مباشرة و ليس عند عمر ال75 سنة كما هو معمول به حالياً (بطاقة باص محلية بسعر مخفض).
ثالثا: منحهم بطاقة شراء بسعر رمزي كما هو معمول به بنظام (التافل) في المانيا. هذه المطالب يجب ان تكون استحقاقات ضرورية و ليس هبه من مملكة السويد التي تعتبر من مصاف الدول الغنية في العالم، و إلّا سيكون ذلك عيباً و خللاً كبيراً في النظام السويدي و حقوق المواطنين الشرعية.
خالد أبو الرز
مقالات الرأي تعبر عن كتابها وليس بالضرورة عن SWED 24