يحتفي العالم، اليوم السابع من مايو/أيار باليوم العالمي للصحة العقلية للأم، الذي يُحتفل به سنوياً في أول أربعاء من شهر مايو، لكنه احتفاء يمرّ على كثير من النساء بصمت يشبه صمتهنّ اليومي، كأنّ العالم يكتفي بأن يعترف بآلامهنّ يوماً واحداً، ثم يطوي الصفحة ليعود إلى عادته القديمة: مطالبة المرأة بأن “تصمد” وتبتلع ما لا يُبتلع.
تلك المرأة – الأم، العاملة، اللاجئة، المتعلمة، المغتربة، الفقيرة، تحمل على كتفيها أحمالاً لا تُرى. مسؤوليات البيت، العمل، تربية الأبناء، إدارة التفاصيل اليومية، والوقوف دائماً في المقدمة عند كل طارئ. كل هذا وهي مطالَبة بأن تبقى أنيقة، متماسكة، مبتسمة، “محترمة” ومثالية في عيون مجتمع لا يرحم.
في المجتمعات الأبوية، تصبح المرأة “المتّهَمة الجاهزة”. هي السبب في انحراف الأولاد، في طلاق الأزواج، في “ضياع القيم”، في انخفاض معدلات الزواج. يُحمَّل جسدها سلوك المجتمع، وتُراقب كأنها مشروع فشل دائم، حتى وإن أثبتت النجاح مراراً.
أما الأم، فقصتها أكثر وجعاً. فهي التي تُنتَزع من إنسانيتها لتُختزل في دور: “الأم العظيمة” التي لا تتعب، لا تشتكي، لا تبكي. وإن فعلت، فاتهموها بأنها فاشلة، باردة، نكدية. لا يُسأل كثيرون عن الآباء الغائبين، لكن يُحاسَب الجميع الأم على كل عثرة.
سلمى: بين الجدران الأربعة… وعيون المجتمع
في إحدى المدن الصغيرة، تعيش سلمى، أم لثلاثة أطفال، وزوجة لرجل يرى أن مهمته في الحياة تنتهي عند جلب الراتب آخر الشهر. تعمل سلمى مدرّسة صباحًا، وتعود لتخوض معركة أخرى في بيتها: طبخ، تنظيف، واجبات مدرسية، واحتواء لأطفال لا يفهمون لماذا أمهم متعبة دائمًا.
لكن الأثقل من ذلك، هو ما يأتي من الخارج. كل تصرف من سلمى يُخضع لميزان المجتمع. إن رفعت صوتها، قالوا “فاجرة”. إن سكتت، قالوا “ضعيفة”. وإن طلبت الطلاق، سيتّهمونها بأنها خرّبت بيتها بيديها.
سلمى لا تريد أكثر من القليل: اعتراف بإنسانيتها، ومساحة لتعيش كما هي، لا كما يُفترض بها أن تكون.
في الاغتراب، تتضاعف الأثقال. تُفَتّت المسافات ظهر المغتربة، تلك التي تقف بين ثقافتين، وتحاول أن تكون سنداً لأسرتها، وصوتاً في مجتمع لا يفهمها تماماً، ولا يرحمها إن تعثّرت. تنشئ أطفالاً في لغات لا تُشبهها، وتحارب نظرات دونية لأنها “المرأة الشرقية”.
ليلى: الغربة ليست فقط جغرافيا
على بُعد آلاف الكيلومترات، في إحدى ضواحي ستوكهولم، تعيش ليلى، أمٌّ لطفلين، تعمل في مطبخ أحد المطاعم. وصلت إلى السويد لاجئة، حاملة معها حنيناً لمدينتها ومرارة من رحلة فرار طويلة. زوجها عاطل عن العمل منذ عامين، وقد تحوّلت هي إلى “ربّ الأسرة” في صمت.
في النهار تُكدّ، وفي المساء تبتسم لأطفالها وتشرح لهم دروسهم بالألمانية التي لا تتقنها كفاية. تقف ليلى بين عالمين: عالم يُطالبها بالاندماج بسرعة، وآخر يحاكمها إذا غيّرت جلدها.
أحياناً، تبكي وحدها في المطبخ… لا لأنها ضعيفة، بل لأنها “تحمل أكثر مما يُحتمل”.
رغم كل ذلك، تستمر المرأة في نضالها. تنهض. تدرس، تعمل، تطبخ، تحب، تربي، تصبر، تبادر، تُصلح ما يفسده غيرها، وتُلام على ما لم تفعله. وحتى إن أنجزت ما يعجز عنه عشرة رجال، تبقى في نظر البعض “ناقصة”.
في هذا اليوم، لنتذكّر سلمى، وليلى، وغيرهنّ من النساء اللواتي يعشن في الظلّ، ويحترقن من أجل أن يبقى كل شيء في محيطهنّ واقفًا.
فالمجتمعات لا تنهض على أكتاف الأبطال الخارقين، بل على صبر الأمهات… اللواتي لا يُصفّق لهنّ أحد.
SWED24