رأي: في ظل الحراك المجتمعي المتنامي والدعوات المتصاعدة لتأسيس حزب جديد يمثل المواطنين من أصول أجنبية في السويد، بات من الضروري أن نُعيد قراءة المشهد السياسي بعيون واقعية، بعيدًا عن الأوهام، وقريبًا من تجارب النجاح والفشل التي خاضتها الجاليات في العقود الأخيرة.
لقد شكّلت تجربة حزب نيانس محطة مفصلية في الوعي السياسي لدى المواطنين الجدد، حيث كانت الآمال معلقة عليه ليمثّل تطلعات فئات واسعة من المجتمع. لكنه، للأسف، أخفق في التأسيس لكيان مستدام يعكس هذه الطموحات. هذه التجربة، وغيرها، أكدت حقيقة لا يمكن تجاهلها: أن أي مشروع سياسي لا ينبني على قواعد راسخة وتوافق مجتمعي واسع، مصيره التلاشي مهما كانت نواياه طيبة.
التاريخ القريب يحمل لنا تجارب عشرات المواطنين من اصول أجنبية ، و بعد سنوات من العمل القاعدي داخل الأحزاب التقليدية، رافعين شعار المواطنة والانتماء الوطني الشامل.
و منهم من تقلدوا مناصب وزارية و عضوية برلمانية و عضوية مجالس بلدية و عضوية مجالس المحافظات ، كما أن تجربة التكتل الإسلامي السياسي الذي دُشّن في تسعينات القرن الماضي بدعم من المجلس الإسلامي السويدي، وشهد انطلاقة مبشّرة عبر تفاهمات استراتيجية مع الحزب الاشتراكي الديمقراطي، ثم لاحقًا مع حزب المحافظين والبيئة، أثبتت أن العمل السياسي المنظم لا يشترط تشكيل حزب خاص، بل يتطلب رؤية، واستمرارية، واستقلالية عن الهياكل الدينية. ورغم الوعود والنتائج الأولية الجيدة، أُغلق هذا التكتل لأن القائمين عليه لم يملكوا تصورًا جماعيًا بعيد المدى أو آليات استمرارية مؤسساتية.
انطلاقًا من ذلك، وحرصًا على مصلحة المواطنين من أصول أجنبية، أرى أن المؤسسات الإسلامية والاجتماعية التي أسهمت في دعم المبادرات السياسية على مدى أكثر من ثلاثة عقود ، ينبغي أن تحافظ على دورها الثقافي والاجتماعي والدعوي، بعيدًا عن التدخل المباشر في تأسيس كيانات سياسية. فالمواطنة هي مسؤولية الأفراد، وهم أصحاب القرار النهائي في اختيار تمثيلهم السياسي.
التأسيس
الكيان السياسي المقترح اليوم ليس نداءً من فراغ، بل استحقاقٌ وطني تأخر لأكثر من ثلاثين عامًا. إنه دعوة لبناء مشروع وطني شامل، يتبنّى خطابًا ديمقراطيًا جامعًا يقوم على المواطنة، والمساواة، والحريات، والعدالة الاجتماعية. لا يُعادي الأحزاب الأخرى، بل يتكامل معها ويضع المصالح العامة فوق أي انتماء أيديولوجي ضيق.
وهنا لا بد من التأكيد على أن:
• الكيان السياسي الجديد ليس منافسًا للمؤسسات الدينية، بل هو مساحة وطنية جامعة مفتوحة أمام الجميع. وإذا أرادت بعض المجموعات الدينية أن تبقى في المشهد السياسي، فهذا من حقها ضمن أطر الديمقراطية السويدية، لكن النجاح السياسي يتطلب خطابًا يتجاوز الفئات الضيقة ليشمل جميع المواطنين.
• النجاح السياسي لا يقاس بمدى الالتفاف الداخلي فحسب، بل بقدرته على اختراق الفضاء الوطني العام، والتحالف مع شرائح متعددة، تعاني جميعها من التهميش، بغض النظر عن الدين أو العرق أو الأصل.
• إن طرح هذا الرأي علنًا نابع من قناعة راسخة بأن التغيير لا يُصنع في الغرف المغلقة. نحن بحاجة إلى رأي عام حاضن وواعٍ، يدرك أن الصوت الانتخابي أداة تغيير لا تقل أهمية عن أي مؤسسة أو منصب.
• أما عن تخوف البعض من إعادة تجربة نيانس، فالتاريخ لا يُعاد، بل يُفهم ويُتجاوز. من حق أي مواطن أن يختار دعم الأحزاب التقليدية، ولكن المطلوب اليوم هو أن نرتقي بمستوى المشاركة السياسية لتصبح مبنية على قراءة البرامج، ومقارنتها، ومطالبة الأحزاب بتعهدات واضحة مقابل أصوات انتخابية.
في هذا السياق، يجب ألا ننسى أن اللحظة السياسية الراهنة في السويد لحظة فارقة. هناك من يسعى لإقصاء المواطنين من أصول أجنبية من المشهد السياسي، ويستغل ضعف التمثيل وانخفاض نسب المشاركة. وإن لم نتحرك الآن، فإن انتخابات 2026 قد تكون محطة خسارة جديدة، أو فرصة لتثبيت حضورنا واحترامنا كمواطنين كاملين.
إنني أوجّه ندائي الصادق إلى كل مواطن حر – مسلمًا كان أو غير مسلم، من أصول أجنبية أو سويدية، وخاصة الفئات المهمشة – بأن ينخرط في الفعل السياسي ويُحسن استخدام صوته. فالانتخابات ليست مناسبة عابرة، بل فرصة لإعادة صياغة العلاقة مع الدولة، على أساس الحقوق والمسؤوليات.
دعونا نكون جزءًا من مستقبل السويد، لا مجرّد ظلال لتجارب الماضي.
والله من وراء القصد.
محمود الدبعي
رئيس المنظمة الدولية للسلام و الديمقراطية والمواطنة
مقالات الرأي تعبر عن رأي كتابها وليس بالضرورة عن SWED 24