رأي/ في ظل تصاعد الخطابات المعادية للمسلمين في أوروبا، تبرز السويد كحالة تستحق التوقف عندها، ليس فقط بسبب تاريخها الطويل في احتضان التعددية الثقافية والدينية، بل أيضًا لما تشهده في السنوات الأخيرة من تغيرات سياسية واجتماعية انعكست على واقع المجتمعات السويدية لاتباع الديانة الإسلامية، وايضا لما تشهده السويد من سلوكيات إيجابية كثيرة للغاية وفي نفس الوقت تصرفات سلبية جاهلة تسعى للعيش في الظل وبناء الموازي من التجمعات الضعيفة وخصوصًا في سياق تنامي ظاهرة الإسلاموفوبيا.
تقرير معهد حقوق الإنسان في السويد لعام 2025 قدّم توثيقًا مهمًا لهذه الظاهرة، مسلطًا الضوء على الزيادة المقلقة في الحوادث المعادية للسويديين من أتباع الديانة الإسلامية، لا سيما بعد تفاقم أزمة الشرق الأوسط أواخر عام 2023. خلال الأسابيع الثلاثة التي تلت تصاعد الأزمة، تم تسجيل 62 بلاغًا عن جرائم كراهية ضد المسلمين، مقارنة بـ50 بلاغًا في نفس الفترة من العام السابق.
المثير للقلق، وفقًا للتقرير، أن 40% من هذه الجرائم وقعت في الفضاء الرقمي، وتحديدًا على منصات التواصل الاجتماعي والمنتديات الإلكترونية، مقارنة بـ8% فقط خلال عام 2022. هذا التحوّل يشير إلى توسع في أدوات التحريض وخطاب الكراهية من الجهتين الخائفون والمتخوفون، ويعقّد هذه النسبة والتوسع مهمة ملاحقتها قانونيًا.
وفي محاولة لفهم أعمق للواقع، أجرى المعهد حوارات موسّعة مع أحد عشر طيفًا من المنظمات الإسلامية السويدية كما تدعي رغم عدم وجود جهات معترفة بها في هذا الجانب.
وقد أجمعت هذه الجهات الاحد عشر حسب التقرير على وجود انكماش واضح في الحريات الدينية والمدنية، وسط تزايد الشكوك المجتمعية تجاه اخوانهم وشركاءهم في الوطن من اتباع الدين الاسلامي وتصويرهم في بعض الأوساط السياسية والإعلامية كتهديد محتمل ودائم كبضاعة اعلامية وسياسية لتحقيق اهداف حزبية سويدية بحتة دون تدخل خارجي.
ومع ذلك، لا يمكن تناول هذه الظاهرة دون الاعتراف بأن السويديين من أتباع الديانة الإسلامية أنفسهم يشكّلون طرفًا فاعلًا في هذا المشهد، سواء بشكل إيجابي أو سلبي. فمن جهة، يحضر المسلمون بقوة في مختلف مناحي الحياة السويدية، ويضطلعون بدور مهم كمواطنين في المساهمة المجتمعية والتنمية. لكن من جهة أخرى، تسلك فئات محدودة سلوكيات وتصرفات ترتبط بأجندات أحزاب أو جماعات خارج السويد، تحاول استغلال الأحداث الإقليمية والدولية لتطبيق رؤى وأهداف لا تخدم المصالح الوطنية السويدية، ولا تدعم الحقوق المدنية والقانونية للمسلمين أنفسهم، بل تُفاقم من التوتر وتُبرر خطاب الكراهية. وكذلك تقوم هذه الفئات عبر منابر واماكن ورسائل إلكترونية ببث السموم القاتلة فكريا في داخل ضمائرهم لصدهم عن الحفاظ على مواطنتهم وربط التفاعل باجندة خارجية هم مختلفون في مصداقيتها واهدافها وتوجهاتها. وبهذا يتم تعميق ازمة فهم المجتمع لدورهم وتطبيع وجودهم كمواطنين ويرجع بالاجراءات من اعتبارهم امكانيات الى تحويلهم لمخاطر في كل الاستراتيجيات المستدامة والمطروحة لمناحي الحياة السويدية والتي لن تعد كالماضي لانها تتواءم وتتأقلم مع الواقع الجديد.
ويزداد المشهد تعقيدًا في ظل ضعف الجهود المبذولة لإبراز مفهوم المواطنة الشاملة، وغياب مشاريع استراتيجية لتعزيز التنوع واحترام الخصوصيات الثقافية والدينية. كما أن قلة المبادرات الهادفة إلى بناء الجسور والتركيز على المشترك الإنساني ساهمت في تعميق الفجوة بين المكوّنات المجتمعية، وأفقدت خطاب حقوق الإنسان الكثير من زخمه وتأثيره وجعلت منه اداة للذهاب الى خطوات اشد في التعامل مع سلبية الانتماء والولاء للوطن السويدي الذي يصعب ايجاده في ادبيات المواطنة السويدية التي بدات تتحدث عن معالم الولاء والانتماء فقط في العمل ودفع الضرائب.
في السياق الدولي، ألقى الدكتور محمد بن عبدالكريم العيسى، الأمين العام لرابطة العالم الإسلامي، كلمة في الأمم المتحدة خلال اليوم الدولي لمكافحة كراهية الإسلام، شدد فيها على أن رُهاب الإسلام ليس تهديدًا للمسلمين وحدهم، بل هو عامل هدم للوئام الاجتماعي، إذ يغذي التطرف والانقسام، ويقوّض مبادئ المواطنة وحقوق الإنسان. كما نبّه العيسى بشكل صريح إلى خطورة استخدام الطوائف الدينية كأدوات في الحملات الانتخابية، معتبرًا أن ذلك يُهدد الاستقرار المجتمعي ويُضعف الثقة في المؤسسات الديمقراطية.
وتحمل هذه التصريحات أهمية خاصة في السياق السويدي، حيث بدأت تتشكّل معالم تصعيد سياسي مبكر مع اقتراب الانتخابات البرلمانية المقررة عام 2026، والتي يتوقع كثيرون أن تشهد استقطابًا حادًا وخطابات غير مسبوقة تطال قضايا الهوية والدين.
وفي هذا الإطار، إذا كان السويديون من أتباع الديانة الإسلامية بحاجة إلى التشاور أو التحالف أو طلب الدعم لفهم أبعاد المشكلة ومعالجتها بعمق وواقعية، فإنهم لن يجدوا أفضل من مبادرات وأفكار الدكتور محمد العيسى أمين عام رابطة الاسلامي – MWL- الذي نجح من خلال موقعه كأمين عام لرابطة العالم الإسلامي في فتح أبواب للنقاش والعمل الوطني المشترك، منطلِقًا من قيم المواطنة الحقيقية، والاحترام المتبادل، وتكريس ثقافة الحوار.
وبما أن رابطة العالم الإسلامي تُعد اليوم أكبر مؤسسة إسلامية عالمية مستقلة من حيث الانتشار والمكانة والفاعلية، فإن الشراكة معها تمثل فرصة حقيقية بشرط أن تنطلق من نية صادقة ورؤية استراتيجية تُدرِك أن المسلمين في السويد هم جزء لا يتجزأ من الأمن القومي، والأمن الفكري، والأمن الاقتصادي، وعلى المدى البعيد، حتى الأمن العسكري والدفاعي. هذا الإدماج البنّاء لا يخدم المسلمين فحسب، بل يعزّز مناعة السويد واستقرارها ووحدتها الوطنية.
بقلم: حسين الداودي
عضو المجلس الاعلى لرابطة العالم الاسلامي، وعضو مجلس القادة متعددي الأديان، في الأمم المتحدة
Hussein Al Daoudi
Chairman of
Scandinavian Council for Relations – SCR
مقالات الرأي تُعبر عن رأي كُتابها وليس بالضرورة عن SWED 24